إليك أحكام الأضحية ومشروعيتها وفضلها !
حُكم الأضحية
ذهب الفقهاء في حُكم الأضحية إلى قولَين، وذلك على النحو الآتي:
الجمهور: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أنّ الأضحية سُنّةٌ مُؤكّدة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ويُكرَه تَركها لِمَن يستطيع شراءها.
الحنفية: ذهب الحنفية إلى وجوب الأضحية على كلّ مُقيم مُقتدر من أهل المُدن، والقُرى، والبوادي، ولا تجب على المُسافر.
الشروط الواجب توفّرها في المُذكّي ذابح الأُضحية
تُشترَط في المسلم الذي يريد أن يُضحّي في أيّام النَّحر ثلاثة شروط لا بُدّ من توفُّرها، وفيما يأتي بيانها:
نيّة التضحية: يجب على المسلم عند ذَبح أضحيته أن تكون نيّته التضحية؛ تمييزاً لها عن سائر القُربات؛ فالمسلم قد يذبح الشاة بنيّة العقيقة، أو الهَدي، أو الفِدية عن فِعل مَحظور، والنيّة هي التي تُميّز بين هذه القُربات، كما أنّ فيها تمييزاً للأضحية عمّا يذبحه الإنسان منها بهدف الحصول على اللحم.
اقتران النيّة بالذَّبح: يُشترَط أن يكون مَوضع النيّة عند ذَبح الأضحية، ويجوز أن تسبق النيّة ذلك؛ بأن ينوي التضحية عند تعيين البهيمة بشرائها، أو بفَصلها عن الأنعام الأخرى.
عدم مشاركة من لا يُريد القُربى: يجوز للمُضحّي إذا أراد أن يُضحّي من الإبل أو البقر أن يشارك غيره في هذه الأضحية بشرط ألّا يزيد عددهم عن سبعة أشخاص، وأن يكون مَقصد الجميع من الذَّبح أداء قُربة من القُربات وإن اختلف نوع القُربى، ولا تجوز مشاركة من ينوي الحصول على اللحم فقط، ولا نيّة له بأيّ نوع من القُربات عند الحنفيّة والمالكيّة، وأجاز الشافعية والحنابلة المشاركة مع اختلاف المَقاصد من الذَّبح، كمَن يريد اللحم مع غيره مِمّن يُريد الذبح لطاعة مُعيَّنة.
الشروط الواجب توفُّرها في الأُضحية
تُشترَط في البهيمة التي يُضحّى بها أربعة شروط، كما يأتي:
-
أن يمتلكها المُضحّي بطريقة مشروعة؛ فلا يجوز أن تكون الأضحية مسروقةً، أو مغصوبةً، أو أن يكون قد اشتراها بعقد فاسد، أو بثمن مُحرَّم، كأن يكون ماله ربويّاً.
-
أن تكون من الأصناف التي خصّها الله -سبحانه وتعالى- بجواز التضحية بها؛ وهي الإبل، والبقر، والغنم؛ سواء الضأن، أو المَعز.
-
أن تبلغ السنّ المُعتبَر شَرعاً؛ وهو في الإبل ما أتمّ الخمس سنوات ودخل في السادسة، وفي البقر ما أتمّ السنتَين ودخل في الثالثة، وفي المَعز ما أتمّ السنة ودخل في الثانية، وفي الضأن ما أتمّ الستّة أشهر ودخل في السابع.
-
أن تكون سليمة من العيوب التي لا تُجزِئ الأضحية بوجودها؛ وهي العَوَر، والمَرض، والعَرج، والكَسر، وكلّ عَيب كان أشدّ من هذه العيوب الأربعة أيضاً يكون سبباً في عدم صحّة الأضحية مع وجوده.
كيفيّة التصرُّف بلحم الأضحية
ذهب بعض الفقهاء إلى سُنّية أن يُقسّم المُضحّي أضحيته إلى ثلاثة أقسام؛ يأكل من قسم، ويُهدي قسماً، ويتصدّق بقسم آخر، وتوضيح آراء المذاهب الأربعة فيما يأتي:
الحنفية: ذهب الحنفية إلى استحباب أن يتصدّق المُضحّي بثُلث الأضحية، ولا يُنقص عن ذلك، ويجوز له أن يُطعم الأغنياء من أضحيته، وللمُضحّي الانتفاع بجلد الأضحية، ولا يجوز له بَيعه.
المالكية: ذهب المالكية إلى أنّ المُضحّي يجمع في الأضحية بين الأكل، والتصدُّق، والإهداء، دون تحديد نسبة كلّ قِسم.
الشافعية: ذهب الشافعية إلى وجوب تصدُّق المُضحّي بشيء من أضحيته، كما يجب أن يكون اللحم المُتصدَّق به نيِّئاً طريّاً لا مطبوخاً، ولا يدخل في ذلك الجلد، والكبد، والأفضل أن يقتصر المُضحّي على أكل لُقَم من أضحيته ولا يزيد على ثلاث لُقَم، ويُفضَّل أن تكون اللُّقَم من الكبد، ويتصدّق بالباقي، والأدنى من ذلك أن يأكل الثُّلُث ويتصدّق بالباقي، وأدنى شيء أن يأكل ثُلثاً، ويُهدي ثُلثاً، ويتصدّق بثُلث.
الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى سُنّية أكل ثُلث الأضحية، وإهداء ثُلثها، والتصدُّق بثُلثها، ويُستحَبّ أن يتصدّق المُضحّي بأفضلها، ويُهدي الوسط منها، ويأكل أقلّها فَضلاً، ويجب على المُضحّي أن يتصدّق بشيء منها، وأقلّ ذلك أوقية، ويجب أن يكون اللحم نيّئاً، ويُعطيه لفقير مسلم، فإن لم يتصدّق بشيء من أضحيته وجب عليه أن يتصدّق بمقدار أوقية من لحم، وإن كانت الأضحية ليتيمٍ، فلا يجوز لوليّه أن يتصدّق بشيء منها، ولا أن يُهدي، وإنّما يُوفّرها لليتيم؛ لأنّ الوليّ ممنوع من التبرُّع بمال اليتيم.
ادِّخار لحم الأضحية
ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز ادِّخار لحوم الأضاحي؛ واستدلّوا بما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلم-: (أنَّهُ نَهَى عن أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ قالَ بَعْدُ: كُلُوا، وَتَزَوَّدُوا، وَادَّخِرُوا)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى قبل هذا عن ادّخار لحوم الأضاحي أكثر من ثلاثة أيام، بسبب قدوم ضعفاء من الأعراب على المدينة في تلك السّنة التي نهى فيها عن الادّخار، وكان علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ذهبا إلى عدم جواز ادِّخار لحوم الأضاحي أكثر من ثلاثة أيّام؛ لِما رواه ابن عمر -رضي الله عنه- قال: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ)،وذهب المحقّقون من أهل العلم إلى أنّ الصحابيان الجليلان أفتوا بما كانوا قد سمعوا؛ فرووه وأفتوا به، وربّما لم يبلغهمـا ما آلَ إليه الأمر بعد ذلك من رفع النّهي.
الاشتراك في الأضحية
اتّفق فقهاء المذاهب الأربعة على جواز اشتراك سبعة من المسلمين في أضحية واحدة على أن تكون من الإبل أو البقر، وتفصيل ذلك فيما يأتي:
الحنفية: ذهب الحنفية إلى جواز اشتراك سبعة أشخاص في ذبح أضحية واحدة من الإبل أو البقر إذا كان المُشتركون جميعهم يبتغون بالذَّبح وجه الله -تعالى-، ولا تُجزِئ عنهم إن اشتركَ أحدهم بنيّة اللحم؛ والدليل على جواز الاشتراك في ذَبح الإبل أو البقر ما أخبر به جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-؛ إذ قال: (نَحَرْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ).
المالكية: ذهب المالكية إلى صحّة اشتراك سبعة أشخاص في أضحية واحدة من الإبل أو البقر، واشترطوا أن يكون نصيب كلّ واحد منهم السُّبُع، ولا يقلّ عن ذلك، ولا يصحّ اشتراك أكثر من سبعة أشخاص في أضحية واحدة.
الشافعية والحنابلة: ذهب الفقهاء من الشافعية، والحنابلة إلى جواز اشتراك سبعة من المُضحِّين في أضحية واحدة من الإبل أو البقر، والمُعتبَر في ذلك أن يتشاركوا في الأضحية دفعة واحدة قَبل ذَبحها، فلو أراد أحد أن يشارك في الأضحية بعد ذَبحها فإنّ ذلك لا يصحّ، وإنّما تُجزِئ الشراكة إذا كانت قبل الذَّبح.
التشريك في أجر الأضحية
يجوز للمسلم أن ينوي إشراك غيره معه في ثواب الأضحية وأجرها بشرط أن ينويَ إشراكهم في الثواب قبل ذَبح الأضحية، ولا يُجزِئ ذلك إن نواه بعد ذَبحها، ويُشترَط أيضاً في الذين نوى إشراكهم في الأجر أن يكونوا من أقربائه، كوالديه، وإخوانه، وأبنائه، وزوجته، وأن يعيشوا معه في بيت واحد، وقد رود عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- أنّهم كانوا يذبحون الشاة الواحدة عن أسرتهم، ولا يصحّ اشتراكهم في ثمن الشاة الواحدة.
النيابة في الأضحية
اتّفق الفقهاء على صحّة أن يُنيبَ المسلم غيره من المسلمين في ذَبح أضحيته؛ لأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- طلب من ابنته فاطمة -رضي الله عنها- أن تشهد ذَبح أضحيتها، وذلك إقرار من النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على جواز أن يُنيب المسلم غيره في ذَبح أضحيته، والأفضل أن يُباشر المسلم ذَبح أضحيته بنفسه، أمّا إن كان النائب في ذَبح الأضحية من أهل الكتاب، فإنّ ذلك يصحّ مع الكراهة عند جمهور الفقهاء من الشافعية، والحنابلة، والحنفية، وذهب المالكية، وأحمد في قول مَرويّ عنه إلى عدم صحّة استنابة الكتابيّ، ولا تعُدّ أضحية إنْ ذبحها، ولكن يجوز أكلها، وتصحّ النيابة بكلّ قول، أو دلالة، أو إشارة تدلّ على رضا المُنيب بالاستنابة في ذَبح الأضحية.
الأكل من الأضحية
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب أن يأكل المسلم من أضحيته؛ وذلك لِما أورده عبدالله بن قرط عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه: (نحَر خمسَ بدَناتٍ وقال: مَن شاء اقتَطَع)، وقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (…فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا)، والمقصود من الأضحية التقرُّب إلى الله -تعالى- بها، أمّا الأكل منها فليس واجباً، وإنّما هو مُستحَبّ.
سُنَن الأضحية
يُستحَبّ للمُضحّي في يوم العيد عدم أكل أيّ شيء قبل الأكل من أضحيته؛ والسنّة أن يُؤدّي المسلم صلاة العيد، ويشهد خطبتها، ثمّ ينصرف إلى أضحيته فيذبحها، ويأكل منها، ويُسَنّ كذلك للمُضحّي أن يُباشر ذَبح أضحيته بيده، فإن لم يستطع استُحِبَّ له أن يشهد ذَبحها، كما يُسَنُّ أن يُقسّم أضحيته إلى ثلاثة أقسام؛ فيأكل ثُلثاً منها، ويُهدي الثُّلث الثاني، ويتصدّق بالثُّلث الأخير، ولا يجوز له أن يَبيع شيئاً منها، ولا أن يُعطي الجزّار أجرته من الأضحية، بينما يجوز له أن يُعطيه شيئاً من الأضحية إن كان على سبيل الهدية، ويجوز كذلك أن يُعطيَ غير المسلم من أضحيته إن كان فقيراً، أو من أهل قرابته، أو جيرانه، فيرجو تأليف قلبه بذلك، وترغيبه في الإسلام.
وتعدّدت أقوال أهل العلم في حكم الأخذ من الشّعر أو الأظافر لِمَن نوى أن يُضحّي في أيّام النَّحر عند دخول أيّام العَشر من ذي الحجّة؛ فذهب الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك في رواية إلى إباحة الأخذ من الشَّعر أو الظفر من غير كراهة، وذهب الإمام الشافعيّ، والإمام مالك في رواية أخرى له إلى كراهة ذلك وعدم حُرمته، وذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى حرمة الأخذ من الشَّعر أو الظفر عند دخول عشر ذي الحجّة، ويترتّب الإثم على فاعله.
مشروعيّة الأضحية والحِكمة منها
تُعرَّف الأضحية بأنّها: ما يذبحه المسلم من الإبل، والبقر، والغنم، في يوم عيد الأضحى، وفي أيّام التشريق؛ تقرُّباً إلى الله -تعالى-، ووردت مشروعيّتها في القرآن الكريم؛ إذ قال -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، كما ذُكِرت مشروعيّتها في السنّة النبويّة؛ فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: (ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا)،وقد أجمع المسلمون على مشروعيّتها، وشرع الله -تعالى- الأضحية لحِكمٍ عظيمة، منها ما يأتي:
-
اتِّباع هَدي نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام-؛ إذ أمر الله -تعالى- النبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك، فقال: (ثُمَّ أَوحَينا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِع مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفًا وَما كانَ مِنَ المُشرِكينَ).
-
تربية نفس المسلم على التحمُّل، والصبر، واتِّباع أوامر الله -تعالى-؛ ففي قصّة نبيّ الله إبراهيم- عليه السلام- مع ولده إسماعيل- عليه السلام- دَرسٌ في امتثال أوامر الله -تعالى-، والثبات عليها، والصَّبر على طاعته.
-
زيادة المَودّة، والمَحبّة بين المسلمين؛ لِما في الأضحية من توسعة على الأقارب، وصِلة للأرحام، كما فيها إدخال للسرور على الفقراء والمحتاجين؛ بمشاركتهم الأضحية.
-
إظهار الشُّكر، والحَمد لله -تعالى- على نِعَمه الكثيرة، وفضائله العظيمة؛ فشُكر النِّعَم سببٌ لبقائها، ودوامها.
فضل الأضحية
تشتمل التضحية في أيّام النَّحر على العديد من الفضائل، ومنها ما يأتي:
-
اعتبار أنّ أحبّ الأعمال إلى الله -تعالى- في أيّام النَّحر ذَبْح الأضاحي لوجهه الكريم؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ما عملَ آدميٌّ منْ عملٍ يومَ النحرِ، أحبَّ إلى اللهِ منْ إهراقِ الدمِ).
-
إتيان الأضحية يوم القيامة على الهيئة التي ذُبِحت عليها، ووقوع دَمها بمكان قبوله قبل وقوعه على الأرض؛ قال -عليه الصلاة والسلام- عن الأضحية: (إنها لتأتي يومَ القيامةِ بقرونِها، و أشعارِها، و أظلافِها، و إنَّ الدمَ ليقعَ من اللهِ بمكانٍ، قبلَ أن يقعَ على الأرضِ، فطيبُوا بها نفسًا).
-
اتِّباع لسُنّة نبيّ الله ابراهيم -عليه السلام-.
-
نَيل المسلم الأجرَ العظيمَ؛ فله بكلّ شَعرة من أضحيته حَسنة، وقد ورد في هذا حديث ضعيف عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.
-
اعتبار أنّ شراء الأضاحي أفضل ما تُنفَق فيه الأموال في أيّام النَّحْر؛ لينالَ المسلم فضائلها.
-
اعتبارها من شعائر الله -تعالى- التي يدلّ تعظيمها على حصول التقوى في قلب المسلم؛ قال -تعالى-: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).
-
اقتران الذَّبح بالصلاة في كتاب الله العزيز في عدّة مواطن؛ ممّا يدلّ على أنّها من أعظم الطاعات، وأهمّ القُربات؛ قال -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).
اضف تعليقا