مسجد أحمد ابن طولون
أغلب الحكايات حول مسجد ابن طولون لا تفصل بين المسجد والأساطير المحيطة به، ذلك نتيجة لموقعه على قمة جبل يشكر، والذي يعتقد البعض أنه الموقع الذي رست فيه سفينة نوح، وطرازه المعماري غير المعتاد وشخصية ابن طولون في حد ذاتها. بُنى المسجد كجزء من عاصمة مصر الجديدة “القطائع” التي صُممت بدقة لتحاكي مدينة “سامراء”، عاصمة الدولة العباسية، والمدينة التي عاش بها ابن طولون قبل سكنه بمصر. شُيد المسجد في الطرف الغربي من شارع رئيسي يبدأ من قصر ابن طولون عند سفح هضبة المقطم. كان القصر يطل على ميدان واسع مخصص للتدريبات العسكرية. وكان ابن طولون يخرج من الميدان خلال باب السباع ذي العقد الثلاثي ويشق طريقه عبر المدينة باتجاه الجامع. كان يتوقف أولاً في “دار الإمارة” المجاور ليستريح ويتوضأ ويغير ملابسه قبل دخول المسجد عبر باب في جدار القبلة.المسجد نفسه عبارة عن صحن مكشوف تحيطه أروقة ذات عقود محمولة على دعامات من الطوب بدلاً من الأعمدة الرخامية المعتاد استخدامها في مصر. ومن عناصره الفريدة التي تزيده تميزاً مئذنته الحلزونية، وزخارفه الجصية المحاكية لطراز سامراء، بالإضافة إلى شرافاته ذات الشكل المميز والفريد.
فوق صخرة صغيرة موجودة بجبل يشكر بمنطقة قلعة الكبش بُنى أكبر مساجد مصر التاريخية بالقاهرة، والذى أمر ببنائه أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية عام “263 هـ / 877 م”، نتحدث هنا عن مسجد ابن طولون.
وسط حى السيدة زينب تم تشييد مسجد ابن طولون ليصبح ثالث مسجد وجامع بنى فى عاصمة مصر الإسلامية بعد جامع عمرو بن العاص فى الفسطاط، وجامع العسكر فى مدينة العسكر، على مساحة 6 ونصف فدان تقريبًا، ليعبر عن رمز استقلال الدولة العباسية، حيث كان معهودًا آنذاك أن المسجد الجامع هو مركز العواصم الإسلامية، ولهذا أمر احمد بن طولون بتشيد المسجد الضخم “263 هـ ــ 877م” وانتهى فى “265 هـ ـ 879م”، ووصلت تكلفته لـ 120 ألف دينار.
استعان أحمد بن طولون بالمهندس سعيد بن كاتب الفرغانى، وهو مهندس قبطى ماهر فى العمارة، تولى عمارة مقياس النيل فى جزيرة الروضة سنة 864 م بعد أن أمر بعمارته الخليفة العباسى المتوكل، وفى عصر أحمد بن طولون عهد إليه ببناء أهم منشآته، فبنى له أولاً قناطر بن طولون وبئر عند بركة حبش لتوصيل الماء إلى مدينة القطائع.
السور الداخلي وأبوابه المرتفعة وأمامه منطقة الزيادات وسورها بأبوابه النازلة
وكما جاء فى مسجد السيرة الطولونية “أراد أحمد بن طولون بناء المسجد فقدر له 300 عمود فقيل له ما تجدها أو تنفذ إلى الكنائس فى الأرياف والضياع الخراب فتحمل ذلك، فأنكره ولم يختره وتعذب قلبه بالفكر فى أمره، وبلغ النصرانى وهو فى المطبق الخبر، فكتب إليه: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلا عمودى القبلة فأحضره وقد طال شعره حتى تدلى على وجهه، فبناه وحسن البناء فى عينى أحمد بن طولون”.
المسجد أحد التحف المعمارية المتميزة تبلغ مساحته 6 ونصف فدان، وطوله 138 متراً، وعرضه 118 متراً تقريباً، وهو من المساجد المعلقة، أى يصعد إلى أبوابه بدرجات دائرية الشكل، ويتوسط المسجد صحن مربع، أما شبابيك المسجد فتحيط به من جهاته الأربع وعددها 128، وفى وسط الصحن قبة كبيرة ترتكز على 4 عقود، وعدد مداخل المسجد 19 مدخلاً، إلا أن المدخل الرئيسى حاليًّا هو المدخل المجاور لمتحف جاير أندرسون، كما تتمتع مئذنة الجامع بالطراز المعمارى الفريد والتى لا يوجد مثلها فى مآذن القاهرة، ويبلغ ارتفاع المئذنة عن سطح الأرض 40 م.
من داخل قبة الصحن والفسقية بداخلها
وفى عهد محمد بك أبى الذهب أحد المماليك وأحد معاونى على بك الكبير، أنشأ مصنعًا بالمسجد لعمل الأحرمه الصوفية، فى عام 1263 هـ / 1847م، حول كلوت بك المسجد إلى ملجأ للعجزة، وظل كذلك حتى سنة 1882 حين أدركت لجنة حفظ الآثار العربية المسجد فوجهت إليه عنايتها وقامت خلال الفترة من 1890 وحتى 1918 بإزالة الأبنية المستحدثة التى كانت بداخل الإيوانات، وهدمت بعض الدور التى كانت تحجب الوجهة الشرقية للمسجد، وأزالت الأتربة والأنقاض، وأصلحت القبة التى فوق المحراب والمنارة الكبيرة والمنارة البحرية الشرقية والمنبر والشبابيك الجصية وجزء من السقف، وحافظت على الزخارف الجصية.
دكة المُبلغ وخلفها المحراب
وفى عهد الملك فؤاد الأول سنة 1918 أمر بإقامة الشعائر الدينية بالمسجد فصلى فيه فريضة الجمعة وأمر بتخلية جوانبه وتتميم إصلاحه، وفى عهد الملك فاروق الأول أُصلح كثير من الشبابيك الجصية، و فى عام 2005 قامت وزارة الثقافة بترميم زخارفه وافتتاحه كواحد من بين 38 مسجدًا تم ترميمها ضمن مشروع القاهرة التاريخى.
جامع ابن طولون
اضف تعليقا